من المعلوم المتفق عليه أن الله تعالى خلق الخلق جميعاً على فطرة التوحيد،فآدم عليه السلام هو الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وجرى له في الجنة ما جرى، ولم يكن من ذلك شيء يخالف التوحيد أو يقدح فيه،ثم أهبطه إلى الأرض نبياً كريماً ورسولاً مرشداً إلى ذريته،و هو قول جمع من العلماء.
وعلى تعاليم رسالة آدم نشأ بنوه وعلى نهجه ساروا، حتى لقد صرح عكرمة بأنهم داموا على ذلك عشرة قرون، وهذا الذي ذكرناه من نشأة البشرية على التوحيد هو ما قرره القرآن وشهدت به السنة المطهرة.
أما القرآن ففي قول الله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
ففي الآية الكريمة أن الدين الذي أمر الله رسوله أن يقيم وجهه عليه هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ثم أكّد ذلك بقوله ذلك الدين القيم فالدين الحنيف والدين القيم هو التوحيد وهو الذي فطر الله الناس عليه.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره) .
وقد أكدت ذلك السنة وفصَّلته وذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترون فيها من جدعاء؟ )) ثم يقول أبو هريرة: (واقرأوا إن شئتم فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ).
قال ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: (وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: فطرت الله التي فطر الناس عليها الإسلام واحتجوا بقول أبي هريرة وبحديث عياض بن حمار عن النبي فيما يرويه عن ربه
(وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم)) الحديث وقد رواه غيره فزاد فيه ((حنفاء مسلمين)) ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: فطرت الله لأنها إضافة مدح وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام) .
ونكتفي بهذه النصوص الواضحة الصريحة التي لاخلاف على معناها، لإثبات أن البشرية كانت على التوحيد قبل طروء الشرك عليها.