محمد جمال عرفة
الحكومة السويسرية اعتبرت نتائج الاستفتاء صدمة وخيبة أمل
مكة المكرمة- رغم إجماعهم على استنكار نتيجة استفتاء "حظر بناء المآذن" بسويسرا لفت عدد من حجاج بيت الله الحرام إلى أن تأييد الحظر، وإن كان في ظاهره يحمل انتقاصا لحقوق مسلمي سويسرا وتضييقا عليهم، فإنه في باطنه يعد "نصرا للإسلام"، إذ إن هذه النتيجة التي اعتبرها كثيرون صدمة قد تدفع الكثير من الأوروبيين للقراءة عن الإسلام ومعرفة حقيقته، الأمر الذي قد يؤدي ببعضهم لاعتناقه، كما أنه من المتوقع أن تدفع المسلمين للتوحد مثلما حدث في أزمة الرسوم الكاريكاتورية بالدنمارك.
وأيد نحو 57.4% من السويسريين "مبادرة حظر المآذن" التي تقدم بها اليمين المتشدد، وهو ما اعتبرته الحكومة السويسرية صدمة وخيبة أمل، إلا أنها أكدت احترامها لنتيجة الاستفتاء العام الذي أجري الأحد 29-11-2009.
وفي تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" الإثنين 30-11-2009 طالب الحاج عبد الله قاراكار (من تركيا) بضرورة الرد على هذه الخطوة، قائلا إن: "المسلمين لو أرادوا أن يفعلوا شيئا فسيستطيعون، سواء بأساليب دبلوماسية أو قانونية أو اقتصادية أو غيرها".
طالع أيضا:
دعوات إسلامية ودولية لمنع تقنين استفتاء سويسرا
تأييد "حظر المآذن" يصدم مسلمي سويسرا
السويسريون "يؤيدون" حظر بناء المآذن
السويسريون أمام امتحان "الحرية الدينية"
في سويسرا.. مشكلة مئذنة أم مسلم جديد؟!
ووصف قاراكار نتيجة الاستفتاء بأنها "قد تكون نصرا للإسلام، كما حدث عقب أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي حاولت الإساءة للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حين دفع الجدل الدائر حولها فضول الكثير من الدنماركيين والأوروبيين إلى القراءة عن الإسلام ومعرفة حقيقته، وانتهى الأمر ببعضهم إلى إشهار إسلامهم، وكذلك قد تدفع المسلمين للتوحد في مواجهة هذا الأمر".
نفس الرأي تبناه الدكتور محمد عيسى شاكر أوغلو (عضو بمجلس بلدية الدنمارك)، مؤكدا أن "الاستفتاء سيكون خطوة مفيدة للإسلام، تدفع الأوروبيين إلى دراسته"، داعيا مسلمي سويسرا إلى "التحرك داخل المجتمع المدني والبرلمان والتحدث مع السويسريين عن حقيقة الإسلام، وعن الآثار السلبية التي ستنعكس على صورة سويسرا الديمقراطية المتسامحة من وراء حظر بناء المآذن".
ومن جانبه دعا الدكتور طه علي سعيد القرشي (طبيب من اليمن) الحكومات العربية والإسلامية إلى استخدام المصالح المشتركة بينهم وبين سويسرا للضغط عليها لعدم تمرير نتيجة الاستفتاء في البرلمان، ومع ذلك لفت إلى أنه "حتى لو افترضنا أن هذه الجهود الإسلامية الرسمية والشعبية فشلت في تحقيق هدفها فإنني أتوقع أن تنقلب النتيجة على رءوس أصحاب فكرة الاستفتاء؛ لأن كثيرا من السويسريين سيدفعهم الفضول للتعرف على الإسلام كما حدث في الدنمارك".
"تعصب ضد الإسلام"
أما سالم محمد أمين، أحد حجاج العراق، فقد اعتبر أن نتيجة الاستفتاء "تعبر عن تعصب ديني ضد الإسلام والمسلمين، ويتنافى مع مبدأ التواصل بين الحضارات"، لافتا إلى أن "دول العالم الإسلامي في هذه المسألة تبدو أكثر ديمقراطية من أوروبا؛ ففي العالم الإسلامي لم يبادر أحد إلى المطالبة بحظر بناء أبراج الكنائس تحت أي ذريعة".
ومن العراق أيضا قال فائق توفيق محمد إن نتيجة الاستفتاء "تعبر عن جهل من صوتوا لصالحها بالإسلام، بل بضرورة التواصل والتعاون بين الحضارات؛ حيث تتنافى مع الحريات العامة وحرية الاعتقاد الديني، وتعد عدولا عن الحالة الديمقراطية التي تتميز بها سويسرا".
وكأحد الإجراءات الفعَّالة المطلوبة للرد العملي على نتيجة الاستفتاء طالب أحمد الكالي محمد جنيد (اقتصادي من نيجيريا) العالم العربي والإسلامي بـ"التوحد والتحدث بلسان واحد؛ حتى يكسبوا احترام السويسريين والغرب عموما، ويجبروهم على إعادة التفكير في ضرورة مراعاة المصالح المشتركة المهددة بين الجانبين، خاصة المصالح الاقتصادية".
"الفكرة الغريبة"
محمد بن منصور (تونسي يعيش في أستراليا) قال بتعجب: "لا أدري كيف أتتهم هذه الفكرة الغريبة (حظر بناء المآذن)"، متمنيا ألا تنعكس نتيجة الاستفتاء بالسلب على العلاقات الجيدة بين المسلمين وسويسرا، ونبَّه إلى أن الخطوة المهمة القادمة هي "أن نريهم أننا لا نتعامل بالعنف؛ وبناء على هذا علينا اللجوء للطرق القانونية والدبلوماسية لإبطال هذه النتيجة".
وفي رأي الحاج الحسن سيدتي، مدرس لغة عربية من غينيا، "أننا في عصر العلم والثقافة، ولذا فإن الأقوى من الوسائل القانونية الإقناع بالعقل"، وأوضح أن "على المسلمين في سويسرا وأوروبا بشكل عام أن يعرفوا الأوروبيين بحقيقة الإسلام، وبأنه ليس دين حرب أو قتال أو إرهاب أو نهب لبلاد الآخرين، وحينها فإن الأوروبيين أنفسهم لن يسمحوا بتكرار مثل هذا الاستفتاء".
وقارن يوسف علي (من كندا) بين الاستفتاء السويسري على حظر بناء المآذن، وبين ما يجري في فرنسا من محاولات لحظر المظاهر الإسلامية في الأماكن العامة، مثل الحجاب والنقاب، معتبرا أن "دوافع من يقف وراء الحظر في البلدين واحدة، وبشكل أساسي تتركز في الأزمة الاقتصادية العاتية التي يمر بها البلدان، وكأنها محاولة من كليهما للفت نظر المواطنين عن أزمتهم الداخلية الحقيقية إلى أزمة أخرى مصطنعة، وإلى عدو وهمي يطالبونهم بتسخير قواهم لصده، وهو الإسلام".
وحذر عبد العزيز محمد حسن (طالب باكستاني بالمعهد العلمي لرابطة العالم الإسلامي) من أن "هذا الاستفتاء من الممكن أن يضر بالعلاقات بين المسلمين في العالم وبين سويسرا التي كانوا يعتبرونها واحة للديمقراطية والتسامح".
ورفضت كل من الحكومة والبرلمان السويسريين المبادرة باعتبارها "انتهاكا للدستور السويسري والحرية الدينية والتسامح المرتبط في الذهن بهذا البلد"، كما أعرب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه.
"احذروا التشنج"
الدكتور محمد علي بكر (أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة فلسطين في نابلس بالضفة الغربية المحتلة) وصف نتيجة الاستفتاء بأنها "صدمة كبيرة جدا؛ لأني منذ 40 عاما أعتقد أن سويسرا بلد الحريات الدينية والحياد التي لم يسبق لها أن قامت باستعمار أي بلد آخر، ولم يصدر عنها أي كتاب أو مؤلف أو خبر يسيء للإسلام".
ودعا المسلمين إلى "عدم إظهار التشنج والانفعالية والتهديد من قبل المسلمين في سويسرا وخارجها؛ فسويسرا رغم قيام بعض المتطرفين اليمينيين فيها بتدنيس بعض المراكز الإسلامية والمسجد الكبير تبقى مختلفة تماما عن الدنمارك التي ظهرت فيها الإساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ننكر أن رئيس سويسرا طلب من شعبه ألا يصوت لحظر المآذن، وكذلك فعلت الحكومة السويسرية ".
وهناك حوالي 400 ألف مسلم في سويسرا، أغلبهم من يوغسلافيا السابقة وتركيا، والإسلام هو أكثر الديانات انتشارا في البلاد بعد المسيحية، لكن رغم وجود أماكن للصلاة فإن المساجد ذات المآذن قليلة جدا ومتباعدة، ولا يوجد سوى أربعة مساجد في سويسرا كلها بها مآذن.
--------------------------------------------------------------------------------
المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت