ا كانت حكومة "إسرائيل" قد نجحت حتى الآن في التمويه على مخططها لتجويع الأطفال الفلسطينيين، وتصفية أبدانهم الصغيرة بحرمانهم من الغذاء والدواء عن طريق الحصار الاقتصادي،
وإذا كان هذا النجاح قد تحقق عن طريق استخدام ذريعة صعود حماس إلى السلطة لإقناع الولايات المتحدة، وأوروبا بقطع المعونات الإنسانية عن الشعب الفلسطيني عقاباً له على تصديق دعوة نشر الديمقراطية والخيار الحر في صناديق الانتخاب.. وإذا كانت الدبلوماسية الحكومية والبرلمانية في مصر تخوض معركة ضارية في كواليس السياسة الدولية وفي إطار الشراكة الأورومتوسطية لكشف زيف الدعوة الاسرائيلية ونزع الاغلفة والاقنعة عن مراميها البشعة وإقناع القوى الدولية بضرورة استئناف تقديم المساعدات لحماية حقوق الأطفال الفلسطينيين في الحياة والغذاء والدواء..
وإذا كانت اللجنة السياسية النابعة للجمعية البرلمانية الأورومتوسطية قد استجابت لنداءات البرلمان المصري التي عرضها النائب محمد محمد أبوالعينين وتبنت مطالبه في إنهاء عملية التجويع ودفعت هذه المطالب إلى المفوضية الأوروبية. فإن مخطط التجويع الاسرائيلي قد انتقل منذ أيام قليلة إلى مرحلة أشد فظاعة تعيد إلى الأذهان فظائع المجازر الإسرائيلية المتكررة ضد المدنيين والأطفال العزلاء وسكانها من أطفال وشيوخ ونساء. لقد نشرت جميع صحف العالم مشاهد جثث الأطفال الذين استهدفتهم بكفاءة مدفعية السفن الحربية الإسرائيلية وهم يمرحون على شاطئ غزة يوم الجمعة الماضي مع أبويهم.. ولم تستطع الخارجية الأمريكية إزاء فظاعة الصور، إلا أن تعلن انحيازها إلى "إسرائيل" وأن تدعى أن عملية اغتيال الأطفال جاءت عقاباً للشعب الفلسطيني لاختياره حكومة حماس أو أن تزعم أن وجود منظمة حماس التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية يبرر هذه الفظاعة.. فلقد قررت البحرية العسكرية الاسرائيلية بناء على تعليمات حكومتها وفي وضح النهار وعبر أجهزة الرؤية الواضحة أن توجه قذائفها إلى أسرة فلسطينية تقضي إجازتها على الشاطئ. تمزقت أجساد الأب علي غالية وعمره 45 عاماً والأم رئيفة غالية وأختها علية غالية وأطفالها الهام وعمرها سبعة أعوام وصابرين ثلاثة أعوام وهنادي عامان وهيثم عام واحد.. لم تنج من هذه الأسرة سوى الابنة هديل سبعة أعوام لتبقى وحيدة في العالم بعد أن أصيبت في نفسها إصابة نافذة وهي تتلمس جسد أبيها ثم جسد أمها ثم أجساد أخواتها في حالة هيستيرية وقد تمزقت الأجساد إلى أشلاء.
أمام فظاعة المشهد كان لابد أن يخرج شون ماكورماك الناطق باسم الخارجية الأمريكية ليعبر عن أسف واشنطن لقتل المدنيين وليعلن أن واشنطن أخذت علماً بأن الحكومة الإسرائيلية نشرت بيانات تعبر فيها عن أسفها لمقتل مدنيين وبأن الجيش الإسرائيلي بدأ تحقيقاً فورياً في هذا الحادث. ترى لماذا لاتقرر الخارجية الأمريكية أن ترى الأمور كما نراها ويراها العالم والتي تشير بوضوح إلى أن استمرار الاحتلال واتصال الجشع وأطماع التوسع الإسرائيلية في الضفة سيظلان السبب الجوهري للصراع والعلة الحقيقية لمزيد من المجازر الإسرائيلية ولردود الفعل الفلسطينية لمقاومة.
لماذا تغمض الولايات المتحدة عينيها عن الحل البسيط الذي ارتضاه الشعب الفلسطيني منذ قبل عملية أوسلو وإنشاء سلطته الوطنية لإنهاء الصراع وتعمل على إنجازه في أسرع وقت دون مماطلة وتسويف باعتبارها زعيمة العالم ومؤسسة اللجنة الرباعية الدولية؟
لماذا لاتقنع حليفتها "إسرائيل" بالجلاء التام عن الضفة كما جلت عن غزة لتمكن الشعب الفلسطيني من تأسيس دولته ولملمة جراحه والانصراف إلى بناء مستقبل آمن لأجياله بعيداً عن الاضطرار إلى مقاومة الاحتلال الذي لايشبع جوعه إلى مزيد من الأراضي ولاتتراجع أطماعه في المزيد منها؟
ألن يكون طرق الحل مباشرة أدعى إلى سلام الجميع وأمن الجميع وألن يكون هذا الحلم أفضل لسمحة الولايات المتحدة كراع لإسرائيل ولعملية السلام؟
إن استمرار لعبة تجويع الأطفال وقتلهم في فلسطين لن تنجب لإسرائيل أمناً ولن تحقق للولايات المتحدة نجاحاً في مكافحة الإرهاب فهذه اللعبة بالذات هي أحد مصادر الكراهية الكبرى في المنطقة وهي أحد المنابع الرئيسية التي تتغذى عليها ميول العنف وحركات الإرهاب.
إن رسالة عمير بيرتس وزير الدفاع الإسرائيلي وزعيم حزب العمل إلى الرئيس الفلسطيني والتي يعبر فيها عن الأسف لقتل المدنيين لاتنفع ولاتشفع في شيء. إن الامر الذي ينفع هو التراجع عن خطة الحل المنفرد التي تنطوي على قضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية والإعلان الإسرائيلي الصريح عن الاستعداد لإقامة الدولة الفلسطينية على كامل الضفة وغزة لقد فتح وزير الخارجية المصري في منتدى دافوس بشرم الشيخ الباب إلى الحل عندما اقترح على وزيرة الخارجية الإسرائيلية طرق النهايات والحديث عن شكل الحل النهائي بدلاً من إضاعة الوقت في الحديث عن البدايات التي تدور حول نفسها في دائرة مغلقة منذ توقيع اتفاقية أوسلو. إن مانشهده اليوم هو ببساطة سلسلة من جرائم التجويع والاغتيال المباشر للأطفال من جانب "إسرائيل" وبمساعدة أمريكية.
وعندما يعلن سكوت كاربنتر مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تريد أن ترى مجالات الآلية الدولية المؤقتة لمساعدة الشعب فإننا نفهم هذا على أنه مساهمة في مخطط التجويع الإسرائيلي للأطفال وانتهاك لالتزامات أمريكا كدولة موقعة على اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين الخاضعين للاحتلال وعندما تقبل لجنة الأمن التابعة للجمعية الأورومتوسطية البرلمانية اقترح البرلمان المصري بدفع رواتب للموظفين ليستطيعوا إطعام أطفالهم وتحول الاقتراح للمفوضية الأوروبية فإننا نتوقع من المفوضية قبول الاقتراح وتحويله للرباعية ونرجوا أن تفيق الولايات المتحدة.