كانت العرب وبالأخص عرب الحجاز على ملة أبيهم إبراهيم ، ملة التوحيد الحنيفية السمحة، برآء من الشرك وأهله، كما حكى الله تعالى عن إبراهيم مثنياً عليه وعلى أتباعه بذلك: إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين وقال تعالى مبرِئاً إبراهيم والذين معه من الشرك،ومقدِّمَهم لنا قدوةً، وجاعلاً لنا الأسوة فيهم قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إناَّ برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ..
وقد ذكّر الله العرب بهذا الإرث العظيم الذي ورثوه من أبيهم إبراهيم فقال: ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير
وقد بقي العرب على تلك الملة قروناً، حتى ظهر عمرو بن لحي الخزاعي فغيرها، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، قال رسول الله : ((وعرضت عليَّ النار فلما وجدت سفعتها تأخرت عنها، وأكثر من رأيت فيها النساء إنِ ائتمن أفشين،وإن سألن ألحفن، وإذا سئلن بخلن، وإذا أعطين لم يشكرن،ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قُصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكثم الخزاعي، فقال معبد: يا رسول أتخشى عليَّ من شَبَهِه فإنه والدي، فقال: لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام)) ،وهناك ألفاظ أخرى بنفس المعنى في الصحيحين وغيرهما .
وكان سبب انحرافهم ووقوعهم في الشرك هو الغلو في الصالحين كما سيأتي في قصة عبادتهم للَّات أو للأماكن المقدسة كما في قصة نقلهم حجارة الحرم والطواف بها حيثما حلّوا.