والمقصود بالأسس :أي الأصول الثابتة التي يبنى عليها منهج التربية القلبية الإيمانية , فلا تقوم التربية الإيمانية بغير هذه الأسس , وينحرف سيرها إذا فقدت إحداها . وعلى القائمين بالعملية التربوية الإيمانية الاهتمام بهذه الأسس قبل أي شيء آخر , والتأكد من تثبيتها في قلب كل متربي ومتعلم , ولقد كان من أهم أسباب الخلل الحادث في المناهج التربوية , إهمال أحد الجوانب الأربعة التي سنذكرها , وهي :
1- العقيدة:هي الأساس الذي ينبني عليه المنهج التربوي لتطهير القلب , وتزكية النفس ,وهي خطوة البداية , وخطوة الوسط , وخطوة النهاية , ومن مفاهيم العقيدة : معرفة الله حق المعرفة , ترجمة معنى لا إله إلا الله , ومعرفة مداخل الشرك , والنفاق إلى القلب , والبعد عن اتجاهات الإلحاد والعلمانية والأفكار الضالة , وكذلك تأصيل عقيدة الولاء والبراء , وضبط سلوكيات النفس على ماجاء به الشرع المطهر في أعمال القلوب , وطريقة صرفها , ومن ثم ما يعتقده المؤمن تجاه خالقه , ومن هذه المفارق يظهر لنا بعض المسوغات لذوي الحور-والعياذ بالله- , وهو جهلهم بأصل العمل.
2- العلم:والمقصود بالعلم هنا العلم الشرعي(علم الكتابة والسنة),إذا العامل إذا وجد منهجاً علمياً واضحاً بيناً متكاملاً قل خطؤه , وعظم فقهه , وتوسعت مداركه ويسعه ماوسع النبي-صلى الله عليه وسلم –وصحبه , فهو يُدرك أهمية الشرائع , ويعرف مقتضاها , ويعمل بما تعلم , ويفهم الأحكام والنوازل.قال جل من قائل :"يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات", وقال سبحانه:"هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون" , وقال-عليه الصلاة والسلام-:"إن الله سبحانه وملائكته وأهل سماواته وأرضه حتى النملة في جحرها والحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير" .صححه الأباني في صحيح الجامع .
قال معاذ بن جبل-رضي الله عنه-:"تعلموا العلم , فإن تعلمه لله خشية , وطلبه عبادة , ومدارسته تسبيح , والبحث عنه جهاد , وتعليمه لمن لايعلمه صدقة , وبذله لأهله قربة...".
3- العبادة:وهي الأساس الثالث, ذلك إنها هي التطبيق العملي لجميع المعلومات النظرية التي يتلقاها القلب والعقل , ولاطريق للتطبيق العملي غيرها ؛ فإما أن يعمل العبد بما علم فيحسن عمله فتقبل منه عبادته ويرقى في مقامه عند ربه , وإما ألا يعمل بما علم أو يعمل فيسيء عمله فلا تقبل منه أعماله فيسقط عند ربه . ولعظم هذا الأساس سيكون له نصيب الأسد في هذا المبحث .
4- الذكر: والذكر هو أساس عظيم إذ يستوي فيه جميع الناس من حيث القدرة , ولذا نرى عظم توافر الأمر بالندب له في الكتاب والسنة , وشدة ملاصقته لحياة المؤمن في يومه وليلته .قال الله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا أذكروا الله ذكراً كثيراً * وسبحوه بكرة وأصيلا" , وقال عليه الصلاة والسلام :"مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".رواه البخاري , والذكر من أجل الأعمال وأعظمها عند الله تُختم به الأعمال الصالحة , وتُحسن به المجالس , ويُفتتح يوم العبد به ويختتمه عليه , ويكون حفظاً وحرزاً من كل مكروه ومشين , ويقرب العبد من ربه إذ اشتملت السنة على أوراد كثيرة في جميع وقائع الحياة , وبالذكر يجد المؤمن الملجأ والمأوى إذا ادلهمت الأمور , وضاقت به الهموم فيستجمع الإنسان قوته النفسية من روح الذكر فيُعطى ما وعده الله المؤمنين , ولكن لينتبه من الأوراد الضعيفة التي لا تصح , وأن يبتدع شيئاً يتلزم به إذ التشبث بها يزيد العبد وهناً وضعفاً , وفي الصحيح غنىً عن ذلك كله –ولله الحمد والمنة-.