بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد أحيي وأشكر الأخ الأستاذ العزيز السيد علي الأصبحي على ما بينه في هذا الموضوع الذي أجا دفيه وأفاد جازاه الله خيرا وأستسمحه في إضافة متواضعة وأقول بأن المتابعين والمهتمين بالشأن التربوي والفكري يلاحظون ارتفاع كثير من الأصوات فى أجزاء مختلفة من بقاع الأرض منددة بوجود أزمة خلقية تهدد حضارة الإنسان المعاصر ، وتتخذ تلك الأزمة الخلقية صورا مختلفة فى كل بلد فهى أحيانا حركات تمرد من الشباب على السلطة والأعراف والتقاليد ، وهى أحيانا انغماس كامل فى اللهو والمجون والسكر والجنس ، وهى تارة أخرى حركات عنف ضد الأموال والأرواح والممتلكات ، وقد تكون كل هذا فى وقت واحد ،وأعراض تلك الأزمة الخلقية يمكن رصدها والوقوف على كل مفردة من مفرداتها في جميع القارات سواء فى آسيا وأفريقيا وأوربا والأمريكتين لا فرق بين قارة وأخرى ، فالكل يعانى من أعراض تلك الأزمة سواء تلك الدول الغنية المتقدمة أو تلك الدول الفقيرة النامية .
ولقد أعطت سهولة المواصلات والاتصالات التى أثمرتها التكنولوجيا الحديثة هذه الهزات الأخلاقية صفة العالمية ، ولم يعد بمقدور مجتمع من المجتمعات إغلاق معابره أمامها أو النجاة من آثارها ، وفى خضم هذه الأزمات الأخلاقية تجد المجتمعات العربية والإسلامية نفسها أمام أعراض خطيرة من الأزمات الأخلاقية التى تهددها رغم رصيدها الهائل من القيم الأخلاقية والمناعة الاجتماعية.
ونحن لاننكر أن هذه الوسائل أصبحت وسيلة المعرفة والثقافة والعلم والتربية والتعليم، وملتقى المرح والترفيه والمتعة، ومصدر الخبر والمعلومة، فكل هذا يدل على أهمية هذه الوسائل في التوجيه والتأثير على حياة الإنسان إيجاباً وسلباً.
لكن تأثيرها السلبي في حياة المسلمين هو الأكثر والأوسع، لما سلكته هذه الوسائل من سياسة الخلط، والمزج بين الحق والباطل، فخلطت بين القلة القليلة من الخير وبين ركام الشر، فأصبح المسلم المستخدم لهذه الوسائل يلاحظ الإعلان الساقط، والموسيقى المحرمة، والأغنية الهابطة، والتمثيلية الرخيصة، والخطبة السياسية، والحديث الديني ـ وهو النادر ـ والصور الخليعة، والمناظر المثيرة من مصدر واحد.
والسؤال هوهل تستطيع القيم الإسلامية أن ترشد الإعلام ليسترد عافيته الأخلاقية؟
يقصد بالقيم الإسلامية المثل العليا السامية المستقيمة العادلة الواجب أن تسود بين الناس لتحقيق الأمن والخير بينهم والمنبثقة من مصادر الشريعة الإسلامية ، وتشمل القيم الإسلامية : العقيدة الإيمانية ، والأخلاق الحسنة ، والسلوك السوى وما ينبثق عن ذلك من دوافع وبواعث تؤثر فى معاملات الإنسان ، وتعتبر هذه القيم بمثابة المثل التى ينشدها المسلم والتى تحكم فكره وإرادته وسلوكه مع نفسه ومع أفراد المجتمع الذى يعيش فيه ، كما أنها المرشد والموجه له فى أعماله وتصرفاته وسلوكه فى مجال المعاملات المختلفة .
ومن أجل سيادة القيم في جميع مكونات العالم الإنساني يجب على المسلمين –ومن خلال العمل المؤسساتي القيام بمايلي :
أولا: العمل الجاد، والسعي المتواصل من أجل تصويب وسائل الإعلام في بلدانهم نحو تحقيق الأهداف السامية في بناء المجتمعات، وترسيخ الإيمان بالله، وتثبيت دعائم الأخلاق، وذلك بالنصح المتواصل للقائمين على هذه الوسائل أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي مجتمعاتهم، وأن يراعوا حرمات الدين، ويلتزموا تعاليمه فيما يقدمون من مواد إعلامية، وأن يبذلوا جهودهم لجعل هذه الوسائل قنوات بناء لا هدم.
ثانيا : العمل على إيجاد وسائل إعلامية ملتزمة، تعرض الإسلام عرضاً صحيحاً، وتصحح المفاهيم حوله، وتقدم علاج الإسلام للمشكلات الاجتماعية، والاقتصادية، والأخلاقية التي تئن منها البشرية، مع نشر الأخلاق الإسلامية، وبيان مفاسد ومخاطر الأخلاق الذميمة، والمواقع والقنوات الإباحية، والتحذير من ذلك وفق برامج، ومقالات، ولقاءات، وصفحات تحذيرية، لا سيما على شاشات الإنترنت، مع سرد القصص الهادف الذي يؤجج كوامن الفطرة، ويحث على الخير والفضيلة، ويزجر عن الشر والرذيلة.
ثالثا : الإبداع في عرض هذه المواد الإعلامية، والتفنن في تشويق المستخدم لها، مع وضع برامج تربوية للنشء تقيهم مخاطر الإعلام، مع تحصين المسلمين من الأفكار الهدامة المادية، وبيان مخاطر العولمة التي تريد القضاء على دين وثقافة واقتصاد ومقومات الأمة الإسلامية، والعمل على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك ببيان محاسن الإسلام وسماحة تعاليمه، وحقوق غير المسلمين فيه، وكيف يستطيع القضاء على المشكلات المعاصرة لو أُحْسِنَ فهمه وتطبيقه.
والحاصل أن منظومة القيم الإسلامية قادرة على إنقاذ العالم من شراك المادية القاتلة التي كتمت أنفاس الغرب قبل الشرق، و هي قادرة على تحقيق التغيّر الحضاري المنشود عن طريق التوفيق بين الحاجات الحقيقية المادية والروحية للبشرية، وما يتطلبه العصر من وسائل وتقنيات في التواصل التي تتطور باستمرار.